أقلية قومية؟ لأ شكرا
علي زبيدات - سخنين
ليس كل ما يريده النائب في الكنيست جمال زحالقة جيد للفلسطينيين وليس كل ما ترفضه الوزيرة أيليت شاكيد سيء للفلسطينيين. قدم النائب زحالقةمؤخرا، وخلفه باقي نواب القائمة المشتركة وبتأييد من اعضاء حزب ميرتس الصهيوني اليساري، مشروع قانون اساس "الاقلية القومية العربية". الوزيرة شاكيد وخلفها باقي اعضاء الكنيست من الائتلاف والمعارضة عارضوا هذا القانون. وأعادت الوزيرة بهذا الصدد إلى أذهاننا ما قالته الوزيرة السابقة تسيبي ليفني قبل سنوات: "من يريد حقوق قومية فليذهب للدول العربية". لا اريد هنا أن اخوض بعنصرية شاكيد ونواياها الخبيثة هي وزملائها التي تكمن وراء رفضهم لهذا القانون "الدستوري" ، فالعنصرية والخبث من طرف هؤلاء ليست ضمانا أو معيارا لصحة مواقف الطرف الآخر.
قضية الاعتراف بفلسطينيي المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948كأقلية قومية هي قضية قديمة طرحت مرارا وتكرارا في محافل عديدة ولا أدري ما الذي اعادها لكي تطفو على السطح في هذه الايام بالذات. لقد طرحت، لمن يذكر، قبل عدة سنوات في "التصور المستقبلي" الصادر عن لجنة المتابعة بالتعاون مع عدد من الاكاديميين. وأعيد طرحها في "وثيقة حيفا" الصادرة عن مركز مدى الكرمل، وبعد ذلك في مشروع جمعية عدالة كأقتراح ل"دستور ديمقراطي". وقد كتبت في وقته ردودا تعبر عن موقفي الرافض لهذه الاقتراحات. وبالرغم من أن استعمال مصطلح "أقلية قومية" أصبح واسع الانتشار خصوصا بين نواب الكنيست العرب ورؤساء البلديات وعدد من الاكاديميين الا انه لم يطرح امام المؤسسة الاسرائيلية كمطلب للفلسطينيين حتى قدمت االقائمة المشتركة اقتراح قانونها الاخير الذي تم رفضه جملة وتفصيلا من كافة التيارات الصهيونية الاساسية مما حدا بي أن أعود للتذكير بموقفي السابق.
لا يوجد هناك في هذا العالم بلد واحد يخلو من الاقليات: اقليات قومية، إثنية، دينية، ثقافية، جنسية، اجتماعية وغيرها. في الوقت نفسه لا يوجد هناك تعريف واحد متعارف عليه دوليا للمصطلح أقلية قومية كما لا يوجد هناك قانون دولي شامل وواضح يحدد حقوق الاقليات. كل ما هنالك نوع من التوافق على ان الحقوق الجماعية للاقليات هي جزء من حقوق الانسان العامة التي تنادي بعدم التمييز والمساواة أمام القانون. في هذا السياق لا يوجد هناك أية امتيازات للاقليات القومية على الاقليات الاخرى. طبعا هذا اذا افترضنا جدلا ان حقوق الانسان تحترم في كل مكان وزمان، في الواقع هذا الامر غير متوفر في أي مكان وأي زمان.
لندع بعض الاحصائيات والارقام تتكلم: حسب الاحصائيات الاسرائيلية الاخيرة يبلغ عدد اليهود في البلاد (الاغلبية) 6.377 مليون شخص. بالمقابل يبلغ عدد الفلسطينيين 12.370مليون شخص فأين الاغلبية وأين الاقلية في هذه الحالة؟ صحيح، نحن حاليا مشتتون وارضنا محتلة ولكننا نصر على اننا شعب واحد، أليس كذلك؟ ونرفض الامر الواقع ونناضل من أجل تغييره جذريا، من أجل التحرير ولم الشمل والعودة. فإذا أراد أي جزء من الشعب الفلسطيني الاعتراف به كاقلية، فهذا ممكن ولكن عليه أولا أن يتخلى عن اصراره على أنه يشكل شعبا واحدا وأن يكف عن المطالبة بلم الشمل والعودة. المطالبة بالاعتراف بنا كأقلية قومية تعني الرضوخ للامر الواقع بما فيه من تهجير وتشريد، اما مطلب التواصل واعتراف الدولة بالعلاقة الخاصة بين "الاقلية والشعب الفلسطيني والعربي" كما ينص عليه مشروع القانون فهو ليس أكثر من ذر الغبار في العيون ولا يغير من الامر شيئا. وإذا اعتبرنا انفسنا جزءا من الامة العربية، ونحن كذلك شئنا ذلك أم أبينا، حتى وان كانت موزعة حاليا على 22 دولة فاننا نصبح 370 مليونا. أي أكبر ب60 مرة من "الاغلبية".
وهناك جانب آخر: إذا كنا أقلية قومية فمن هي الاغلبية القومية؟ اليهود؟ ألا ندعي بأن اليهودية دين وليست قومية؟ وهي منتشرة في أماكن عديدة من أرجاء العالم. اليهود الاسرائيليون؟ ولكنهم يرفضون أن تكون قوميتهم اسرائيلية. البلدان التي قدموا منها؟ أي انهم في الحقيقة مجموعة من القوميات: روس، اثيوبيين، مغاربة، يمنيين، رومانيين وهلم جرا، في هذه الحالة أيضا يشكل الفلسطينيون الاغلبية حتى في حالة القبول بواقع التهجير والتشريد.
الخلاصة، مطالبة الدولة الاعتراف بنا كأقلية قومية ليست انتزاعا للحقوق بل هي على العكس من ذلك تماما تفريط بالحقوق. من أجل الحفاظ على كرامتنا الوطنية والقومية والانسانية ينبغي أن نرفض العيش وعلى جباهنا ختم الأقلية. في مجتمع مستقل تسوده الحرية والمساواة تصبح الاقلية والاغلبية مجرد مصطلحات ميتافيزيقية فارغة من أي معنى.