Tuesday, July 21, 2009

العقل العربي بين إرهاصات التخلف وضرورة النهضة



تعريف المصطلحات الفكرية مهما كان مجالها، سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا، أدبيا أو أي مجال آخر ليس بالأمر السهل. مهما كان التعريف شاملا ومحكما ومبنيا على أسس منطقية متينة فلا بد إلا أن يحتوي على بعض الثغرات والإدعاءات غير المبرهنة وبالتالي يكون نسبيا ومشروطا وأحادي الجانب. في الآونة الأخيرة يكثر استعمال مصطلح "العقل العربي" ومقدرته على نفض غبار التخلف والنهوض بالعالم العربي واللحاق بركب الحضارة.
السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو: هل يوجد هناك شيء اسمه العقل العربي؟ أو العقل الصيني أو العقل اليهودي، الخ.؟؟ طبعا كل تعميم هو خاطئ أو في أحسن الحالات صحته نسبية. فالعقول عادة ما تتخطى الحدود الجغرافية والزمنية وتتفاعل فيما بينها بشكل معقد وغامض في معظم الأحيان وتؤثر وتتأثر ببعضها البعض. ولكن بالرغم من كل هذه التحفظات لا بد من مثل هذه التعريفات وإلا تعطلت لغة الحوار والنقد والبحث والدراسات. كذلك اختلف الفلاسفة وعلماء النفس حول تعريف مفهوم العقل واستعملوا كلمات مترادفة أو متشابهة مما زاد من عدم الوضوح فمنهم من استعمل كلمة الإدراك أو التفكير أو المعرفة أو الوعي وجميعها مصطلحات متقاربة جدا تعكس الرؤية الخاصة لهذا المفكر أو ذاك.
لنعود إلى العقل العربي. طبعا، مقالة صحفية لا تطمح أبدا تقديم تحليل واف أو دراسة شاملة تتناول العقل العربي. من أجل ذلك يمكن الرجوع إلى موسوعة محمد عابد الجابري ورد جورج طرابيشي عليها بالإضافة إلى العديد من الدراسات الأخرى. كل ما اطمح إليه هو الإشارة إلى بعض النقاط ذات الأهمية العملية التي تواجهنا في حياتنا اليومية وفي نضالنا غير المتكافئ ضد الدولة الصهيونية جميع إفرازاتها. لذلك أفضل استعمال مصطلح "الوعي العربي" بدلا من "العقل العربي" وذلك لأن الوعي هو مقياس لنجاعة أو عدم نجاعة العقل. الوعي يشمل الإدراك والمعرفة ولكنه يشمل أيضا المقدرة على التحليل والاستنتاج ومن ثم اتخاذ موقف وتغيير الواقع.
إذا كان العقل هو الذي يفرز التفكير فأن الوعي هو الذي يدركه ويقيمه ويصحح مساره. من المؤكد أن وعينا الجماعي ليس سوى انعكاس لعقلنا الجماعي. فإذا قبلنا تعريف جون لوك للوعي بأنه إدراك ما يدور داخل العقل، فماذا الذي يمكن أن ندركه إذا كان عقلنا الجماعي يفرز تفكيرا جامدا، يعجز عن مواجهة ابسط التحديات، متقوقع على نفسه يخاف من النور، لا يعرف ما يريده ولا يستطيع أن يحدد أهدافه؟.
إننا نعاني من قلة الوعي في جميع المجالات، ومن الأفضل أن نعترف بهذه الحقيقة المرة. هل نتحلى بوعي اجتماعي؟ إذا كنا كذلك فكيف نفسر القتل على خلفية ما يسمى "شرف العائلة" وكيف نفسر النزاعات الطائفية والعائلية التي تتحكم في تصرفاتنا؟ إننا نطالب العالم أن يعترف بنا كشعب له حقوق طبيعية مغتصبة يناضل من أجل تحقيقها في الوقت الذي لا نستطيع أن نفكر حتى على مستوى مدينة أو قرية، بل تفكيرنا يبقى محصورا في الحارة وداخل الحمولة.
هل يوجد لدينا وعي سياسي؟ إذا كنا كذلك فكيف نفسر انبطاحنا بهذا الشكل المخزي أمام صانعي نكبة شعبنا؟ كيف نفرط بنضال طويل مليء بالشهداء والتضحيات مقابل وعود وهمية.
هل نتحلى بوعي بيئي؟ إذا كنا كذلك فكيف نفسر القاذورات المتراكمة على أرصفة شوارعنا وعدم تقيدنا بأبسط التصرفات للحفاظ على بيئة صحية مثل عدم إلقاء النفايات من نوافذ سياراتنا.
هل تستطيع يدان مشلولتان أن ترفع ثقلا عن الأرض؟ لا طبعا.
هل يستطيع عقل عاجز أن يقوم بمهمة النهوض بالأمة؟ لا طبعا.
من أجل النهوض بالأمة من كبوتها التي طال عليها الزمن نحن بحاجة إلى عقل متمرد، ثوري جامح يشن حربا لا هوان فيها أولا وقبل كل شيء على نفسه، على العادات والتقاليد البالية، على الأفكار المسبقة التي تمنعنا من معرفة حقيقية للعالم من حولنا، على خوفنا من الخروج إلى النور ومواجهة العالم.
وأنا أكتب هذه السطور أتذكر قول أحد الملوك العرب مخاطبا أحد القادة الصهاينة: "بالعقل اليهودي والمال العربي نستطيع أن نحول منطقة الشرق الأوسط إلى جنة". يا للعار.


No comments: