غريب عجيب أمر الاحزاب العربية. لتبرير مشاركتها في الانتخابات قامت بحملة مسعورة على صعدين. الاول: الدفاع عن الكنيست الصهيوني دفاعا يفوق دفاعها عن غزة ويفوق دفاع الاحزاب الصهيونية عنه. والثاني: شن هجوم شرس على المقاطعة والمقاطعين.
لم يبق هناك أحد من زعامة القوائم العربية الثلاث والتي تسمي انفسها مجازا أحزابا عربية إلا وأدلى بدلوه في الدفاع عن الكنيست ومهاجمة المقاطعين. فهذا، على سبيل المثال لا الحصر، عودة بشارات السكرتير السابق للجبهة يقول على الموقع الرسمي للجبهة:" الترانسفير السياسي الذي لم ينجح اليمين بإنزاله بالعرب، يفعله بعض العرب، بشعارات وطنية تطبق الآفاق". ومن الجهة الاخرى يتناغم معه الشيخ ابراهيم صرصور رئيس الحركة الاسلامية الجنوبية ورئيس القائمة الموحدة ويشن هجوما شرسا على المقاطعة ويتهم من يدعو اليها بأنه يخدم موقف ليبرمان المتطرف ويتاجر بدماء غزة ويدعم اليمين الصهيوني المتطرف. وأكثر من ذلك حيث يقوم الشيخ بإتهام البعض بجمع التبرعات لإغاثة أهالي غزة ولكنهم ينفقونها على الدعاية لمقاطعة الانتخابات، وهذا اتهام خطير، بينما يعرف الجميع أن الاحزاب تمول دعايتها من ميزانية الدولة. وأضاف الشيخ أن الكنيست هي منصة لا غنى عنها لإسماع صوتنا والمطالبة بحقوقنا. الجرائد العربية والمواقع الاكترونية تنضح بمثل هذه التصريحات التعيسة التي إن دلت على شيء فإنها تدل على ضحالة وعقم القائمين عليها من جهة وعلى أن تيار المقاطعة هو تيار اصيل ينبع من صميم ضمير شعبنا من جهة أخرى.
لن أنزلق الى مهاترات شخصية، مع انها في بعض الاحيان ضرورية لإيقاف البعض عند حدهم. ولكننا في تيار المقاطعة المبدئية لإنتخابات الكنيست نقول لكل من يحب أن يسمع، كما قال جبران خليل جبران: نحب المريض ولكننا نكره المرض. ووبساطة نقولها أن الكنيست الصهيوني مرض، مرض مزمن وخطير، وأن الاحزاب العربية تنقل هذا المرض الى جماهير شعبنا. الطامة الكبرى عندما يكابر المريض ولا يعترف بمرضه.
الكنيست الصهيوني ليست منبرا للخطابات ومكانا للتعبير عن الرأي كما يدعي الشيخ ابراهيم صرصور وغيره من السياسيين. وهذا ما يعرفه كل طالب المتوسط في المرحلة الاعدادية. الكنيست هي أولا وقبل كل شيء أداة حكم، هي سلطة، وفي الدولة الحديثة على الطريقة الغربية الراسمالية، كما هو الوضع في هذه الدولة، هي أهم سلطة. وهي ليست سلطة وهمية كما في العديد من الدول النامية يعينها الملك متى يشاء ويلغيها متى يشاء. الكنيست كانت منذ يومها الاول وحتى هذا اليوم اداة السلطة التي استعملتها الحركة الصهيونية لصنع نكبة شعبنا عام 1948 وتشريده ونهب أراضيه، وهي الأداة الاولى في الجرائم التي لم تتوقف منذ ذلك الحين. تحميل مسؤولية هذه الجرائم المستمرة للحكومات المتعاقبة فقط وتبرئة الكنيست منها يدل على أحد أمرين إما غباء سياسي مطبق وإما أعلى درجات النفاق وإما على كلا الامرين معا.
الاحزاب العربية التي تتهمنا نحن المقاطعين بخدمة اليمين الصهيوني المتطرف تنسى او تتناسى انها ترقص مع هذا اليمين المتطرف في أروقة الكنيست وتنام بعد ذلك في أحضانه. إذن من يخدم من؟ من يبحث عن منصة للخطابات وللصراخ ليذهب ويشتغل رقاصة كما يقول اخوتنا المصريين فهناك سوف يجد منصة عامرة تجذب اليها الانتباه والابصار. أما إذا دخلت الكنيست، شئت ذلك أم ابيت فإنك تتحمل قسطا وافرا من المسؤولية عما تقترفه هذه المؤسسة من جرائم.
قد يقول البعض، ولكن الاحزاب العربية تدخل الى الكنيست لكي تعارض السياسة الرسمية، لكي تدافع وتطالب بحقوقنا. هنا تكمن أخطر قوانين اللعبة. كيف تصبح أداة قمع غير شرعية شيئا جميلا ومقبولا في أعين العالم أجمع؟ بسيطة، بأن تقبل في داخلها بعض المعدودين على الضحية وتمنحهم هامشا من التحرك وتدعو العالم للفرجة عليهم. فهم في خطاباتهم مثل النمور ولكنها نمور من ورق او مثل الاسود ولكنها اسود سيرك وادعة.
أكثر ما يضحكني، وبعض الضحك ما يبكي، هو دعوة الاحزاب العربية بتكنيس الاحزاب الصهيونية من وسطنا العربي. هل يمكن أن تكون عضوا في أهم مؤسسة صهيونية وتقسم يمين الولاء للدولة كما تعرفها هذه المؤسسة وتطلق على نفسك حزب غير صهيوني أو حتى حزب معادي للصهيونية؟ من هو الصهيوني؟
الجواب على هذا السؤال أتركه لكل فلسطيني ليجيب عليه قبل أن يتوجه الى صندوق الانتخابات.
No comments:
Post a Comment