Tuesday, February 17, 2009

مصيدة الفئران



يدور الكلام هنا عن تلك الآلة القديمة التي نعرفها جميعا والتي كانت منتشرة خصوصا بالنواحي القروية وتستعمل لصيد الفئران التي كانت تؤرق راحة وحياة الفلاحين. تعمل هذه الآلة على اساس مبدأين يكمل أحدهما الآخر: الاول إجتذاب الفأر بواسطة قطعة من الاكل (قطعة من الخبز او مفضل قطعة من الجبنة التي تحبها الفئران) حتى يتم الايقاع به بالفخ. والثاني ألإطباق على الفأر عندما يسحب القطعة.
لا علاقة لهذه المقالة، لا من قريب ولا من بعيد، بالمسرحية الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه والتي كتبتها الكاتبة الانجليزية أجاتا كريستي والتي ما زالت تعرض منذ حوالي 60 عاما على مسارح لندن لتكون أكثر مسرحية عرضا في تاريخ المسرح. ولا أجد داعي أن أطلب العذر من أجاتا كريستي لأني استعملت العنوان نفسه، فحسب رأيي لا يوجد حق لأحد إحتكار هذا الاسم الذي يعتبر جزءا من تراثنا الشعبي. ربما الشيء المشترك بين مسرحية "مصيدة الفئران" لأجاتا كريستي وبين المصيدة التي اتكلم عنها، انها جميعها مسرحية حسب أقوال كاتب انجليزي آخر أكثر شهرة هو وليم شكسبير:" العالم مسرح كبير ومعظم الرجال والنساء عليه مجرد ممثلين". هنا ينتهي وجهة الشبه ويبدأ الخلاف. فمسرحية أجاتا كريستي هي مسرحية خيالية وكل علاقة لها بالواقع هي من باب الصدفة. بينما مسرحيتنا هي واقعية بالرغم من انها تتفوق على الخيال في معظم مشاهدها. ولكن الخلاف الاكبر بين المسرحيتين هو أن جميع أبطال مسرحية اجاتا كريستي مشبوهين بإرتكابهم جريمة القتل وفقط في المشهد الاخير يتم الكشف عن القاتل الحقيقي الذي يكون عادة أقل المشبوهين تورطا. أما في مسرحيتنا فالقاتل معروف سلفا للجميع وهو لا يحاول أن يخفي ذلك. فهو يقترف جرائمه ببث حي ومباشر الى جميع انحاء العالم. إلا أن الجمهور يرفض أن يصدق بأنه القاتل ويعمل المستحيل لتبرئة ساحته وبالمقابل يتهم الضحية، المقتول، بالجريمة. هذا هو الفرق بين المسرح الخيالي المعقول على طريقة أجاتا كريستي والمسرح الواقعي اللامعقول على الطريقة الفلسطينية.
لنعود الى مصيدة فئراننا. وبما انني افضل الكلام المباشر على الرموز، ولمن لم يستنتج بعد ما اقصده ب"مصيدة الفئران" أقول ان المصيدة التي أتحدث عنها هي ما يسمى بالديموقراطية الاسرائيلية وعلى وجهة التحديد الانتخابات للكنيست الصهيوني التي جرت قبل فترة قصيرة. نعم الكنيست هي مصيدة فئران هائلة تستعملها الدولة للإطباق على "الفئران" السائبة المشاغبة التي تزعج راحة وحياة المستوطنين الجدد في هذه البلاد، والتي ما زالت ترفض قبول ما حل بها من نكبة عام 1948 وحتى اليوم. هذه المصيدة الهائلة تعمل حسب القوانين الكلاسيكية لعمل مصائد الفئران المعروفة: الخطوة الاولى، تجذب الفئران وخصوصا الطليعية منها بواسطة قطعة دسمة من الجبنة الفاخرة التي تحتوي على راتب عالي وتمويل سخي ومنصة للخطابات والصراخ والشتائم ضد صيادي الفئران. اما الخطوة الثانية فهي إغلاق جميع المنافذ على أكبر عدد ممكن من الفئران بعد أن يفقدوا هويتهم وحريتهم وإنتمائهم.
بالطبع الامور ليست سهلة الى هذا الحد. فكم سمعنا من أحد الفلاحين أن أحد الفئران الذكية قد غلبه بعد أن سحب الطعم وهرب أو انه فلت من الوقوع بالفخ في اللحظة الاخيرة. ولكن الفلاح العنيد يستطيع في نهاية المطاف الايقاع بأكثر الفئران ذكاء ما دام هذا الفار يرقص أمام المصيدة. وهذا بالضبط ما فعلته الدولة بالكنيست حتى أصبحت مصيدة للفئران الذكية. فقد منحت هذه الفئران حصانة برلمانية وتمويلا سخيا وقالت لهم: تعالوا وطالبوا بحقوق باقي الفئران. إجذبوا أكبر عدد ممكن منها الى داخل المصيدة حتى ترتاح ولا تحمل أي هم.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يستطيع الفأر مهما بلغ من ذكاء ومن حماس أن يدافع عن باقي الفئران من داخل مصيدة؟
ما زالت الاحزاب العربية تحتفل بإنتصاراتها الوهمية في الانتخابات الاخيرة.تحتفل بحصولها على قطعة كبيرة من الجبنة الشهية. ولكنها لا تدري انها في حقيقة الامر تحتفل بوقوعها بالفخ. وهي ستبقى سعيدة وفرحة ما دامت لا تدرك انها تعيش في مصيدة كبيرة للفئران.
صائد الفئران الاسرائيلي ذكي جدا ويعرف بالضبط ماذا يعمل. فهو في قطاع غزة ليس بحاجة الى مصيدة. حيث يستعمل الاسلحة الفتاكة، الشرعية منها والمحرمة دوليا للقتل ويستعمل أسلحة أخرى للدمار. وفي الضفة الغربية يستعمل الاستيطان والجدران الفاصلة ويعتمد على المتعاونين المحليين. وهنا في الداخل يستعمل "مصيدة الفئران".
تعددت الاساليب والهدف واحد. وهدف المؤسسة الصهيونية أن تسوقنا جميع الى "مصيدة الفئران".




Wednesday, February 04, 2009

الكنيست لن تحمي بقاءنا ولن تبني مستقبلنا



غريب عجيب أمر الاحزاب العربية. لتبرير مشاركتها في الانتخابات قامت بحملة مسعورة على صعدين. الاول: الدفاع عن الكنيست الصهيوني دفاعا يفوق دفاعها عن غزة ويفوق دفاع الاحزاب الصهيونية عنه. والثاني: شن هجوم شرس على المقاطعة والمقاطعين.
لم يبق هناك أحد من زعامة القوائم العربية الثلاث والتي تسمي انفسها مجازا أحزابا عربية إلا وأدلى بدلوه في الدفاع عن الكنيست ومهاجمة المقاطعين. فهذا، على سبيل المثال لا الحصر، عودة بشارات السكرتير السابق للجبهة يقول على الموقع الرسمي للجبهة:" الترانسفير السياسي الذي لم ينجح اليمين بإنزاله بالعرب، يفعله بعض العرب، بشعارات وطنية تطبق الآفاق". ومن الجهة الاخرى يتناغم معه الشيخ ابراهيم صرصور رئيس الحركة الاسلامية الجنوبية ورئيس القائمة الموحدة ويشن هجوما شرسا على المقاطعة ويتهم من يدعو اليها بأنه يخدم موقف ليبرمان المتطرف ويتاجر بدماء غزة ويدعم اليمين الصهيوني المتطرف. وأكثر من ذلك حيث يقوم الشيخ بإتهام البعض بجمع التبرعات لإغاثة أهالي غزة ولكنهم ينفقونها على الدعاية لمقاطعة الانتخابات، وهذا اتهام خطير، بينما يعرف الجميع أن الاحزاب تمول دعايتها من ميزانية الدولة. وأضاف الشيخ أن الكنيست هي منصة لا غنى عنها لإسماع صوتنا والمطالبة بحقوقنا. الجرائد العربية والمواقع الاكترونية تنضح بمثل هذه التصريحات التعيسة التي إن دلت على شيء فإنها تدل على ضحالة وعقم القائمين عليها من جهة وعلى أن تيار المقاطعة هو تيار اصيل ينبع من صميم ضمير شعبنا من جهة أخرى.
لن أنزلق الى مهاترات شخصية، مع انها في بعض الاحيان ضرورية لإيقاف البعض عند حدهم. ولكننا في تيار المقاطعة المبدئية لإنتخابات الكنيست نقول لكل من يحب أن يسمع، كما قال جبران خليل جبران: نحب المريض ولكننا نكره المرض. ووبساطة نقولها أن الكنيست الصهيوني مرض، مرض مزمن وخطير، وأن الاحزاب العربية تنقل هذا المرض الى جماهير شعبنا. الطامة الكبرى عندما يكابر المريض ولا يعترف بمرضه.
الكنيست الصهيوني ليست منبرا للخطابات ومكانا للتعبير عن الرأي كما يدعي الشيخ ابراهيم صرصور وغيره من السياسيين. وهذا ما يعرفه كل طالب المتوسط في المرحلة الاعدادية. الكنيست هي أولا وقبل كل شيء أداة حكم، هي سلطة، وفي الدولة الحديثة على الطريقة الغربية الراسمالية، كما هو الوضع في هذه الدولة، هي أهم سلطة. وهي ليست سلطة وهمية كما في العديد من الدول النامية يعينها الملك متى يشاء ويلغيها متى يشاء. الكنيست كانت منذ يومها الاول وحتى هذا اليوم اداة السلطة التي استعملتها الحركة الصهيونية لصنع نكبة شعبنا عام 1948 وتشريده ونهب أراضيه، وهي الأداة الاولى في الجرائم التي لم تتوقف منذ ذلك الحين. تحميل مسؤولية هذه الجرائم المستمرة للحكومات المتعاقبة فقط وتبرئة الكنيست منها يدل على أحد أمرين إما غباء سياسي مطبق وإما أعلى درجات النفاق وإما على كلا الامرين معا.
الاحزاب العربية التي تتهمنا نحن المقاطعين بخدمة اليمين الصهيوني المتطرف تنسى او تتناسى انها ترقص مع هذا اليمين المتطرف في أروقة الكنيست وتنام بعد ذلك في أحضانه. إذن من يخدم من؟ من يبحث عن منصة للخطابات وللصراخ ليذهب ويشتغل رقاصة كما يقول اخوتنا المصريين فهناك سوف يجد منصة عامرة تجذب اليها الانتباه والابصار. أما إذا دخلت الكنيست، شئت ذلك أم ابيت فإنك تتحمل قسطا وافرا من المسؤولية عما تقترفه هذه المؤسسة من جرائم.
قد يقول البعض، ولكن الاحزاب العربية تدخل الى الكنيست لكي تعارض السياسة الرسمية، لكي تدافع وتطالب بحقوقنا. هنا تكمن أخطر قوانين اللعبة. كيف تصبح أداة قمع غير شرعية شيئا جميلا ومقبولا في أعين العالم أجمع؟ بسيطة، بأن تقبل في داخلها بعض المعدودين على الضحية وتمنحهم هامشا من التحرك وتدعو العالم للفرجة عليهم. فهم في خطاباتهم مثل النمور ولكنها نمور من ورق او مثل الاسود ولكنها اسود سيرك وادعة.
أكثر ما يضحكني، وبعض الضحك ما يبكي، هو دعوة الاحزاب العربية بتكنيس الاحزاب الصهيونية من وسطنا العربي. هل يمكن أن تكون عضوا في أهم مؤسسة صهيونية وتقسم يمين الولاء للدولة كما تعرفها هذه المؤسسة وتطلق على نفسك حزب غير صهيوني أو حتى حزب معادي للصهيونية؟ من هو الصهيوني؟
الجواب على هذا السؤال أتركه لكل فلسطيني ليجيب عليه قبل أن يتوجه الى صندوق الانتخابات.