يدور الكلام هنا عن تلك الآلة القديمة التي نعرفها جميعا والتي كانت منتشرة خصوصا بالنواحي القروية وتستعمل لصيد الفئران التي كانت تؤرق راحة وحياة الفلاحين. تعمل هذه الآلة على اساس مبدأين يكمل أحدهما الآخر: الاول إجتذاب الفأر بواسطة قطعة من الاكل (قطعة من الخبز او مفضل قطعة من الجبنة التي تحبها الفئران) حتى يتم الايقاع به بالفخ. والثاني ألإطباق على الفأر عندما يسحب القطعة.
لا علاقة لهذه المقالة، لا من قريب ولا من بعيد، بالمسرحية الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه والتي كتبتها الكاتبة الانجليزية أجاتا كريستي والتي ما زالت تعرض منذ حوالي 60 عاما على مسارح لندن لتكون أكثر مسرحية عرضا في تاريخ المسرح. ولا أجد داعي أن أطلب العذر من أجاتا كريستي لأني استعملت العنوان نفسه، فحسب رأيي لا يوجد حق لأحد إحتكار هذا الاسم الذي يعتبر جزءا من تراثنا الشعبي. ربما الشيء المشترك بين مسرحية "مصيدة الفئران" لأجاتا كريستي وبين المصيدة التي اتكلم عنها، انها جميعها مسرحية حسب أقوال كاتب انجليزي آخر أكثر شهرة هو وليم شكسبير:" العالم مسرح كبير ومعظم الرجال والنساء عليه مجرد ممثلين". هنا ينتهي وجهة الشبه ويبدأ الخلاف. فمسرحية أجاتا كريستي هي مسرحية خيالية وكل علاقة لها بالواقع هي من باب الصدفة. بينما مسرحيتنا هي واقعية بالرغم من انها تتفوق على الخيال في معظم مشاهدها. ولكن الخلاف الاكبر بين المسرحيتين هو أن جميع أبطال مسرحية اجاتا كريستي مشبوهين بإرتكابهم جريمة القتل وفقط في المشهد الاخير يتم الكشف عن القاتل الحقيقي الذي يكون عادة أقل المشبوهين تورطا. أما في مسرحيتنا فالقاتل معروف سلفا للجميع وهو لا يحاول أن يخفي ذلك. فهو يقترف جرائمه ببث حي ومباشر الى جميع انحاء العالم. إلا أن الجمهور يرفض أن يصدق بأنه القاتل ويعمل المستحيل لتبرئة ساحته وبالمقابل يتهم الضحية، المقتول، بالجريمة. هذا هو الفرق بين المسرح الخيالي المعقول على طريقة أجاتا كريستي والمسرح الواقعي اللامعقول على الطريقة الفلسطينية.
لنعود الى مصيدة فئراننا. وبما انني افضل الكلام المباشر على الرموز، ولمن لم يستنتج بعد ما اقصده ب"مصيدة الفئران" أقول ان المصيدة التي أتحدث عنها هي ما يسمى بالديموقراطية الاسرائيلية وعلى وجهة التحديد الانتخابات للكنيست الصهيوني التي جرت قبل فترة قصيرة. نعم الكنيست هي مصيدة فئران هائلة تستعملها الدولة للإطباق على "الفئران" السائبة المشاغبة التي تزعج راحة وحياة المستوطنين الجدد في هذه البلاد، والتي ما زالت ترفض قبول ما حل بها من نكبة عام 1948 وحتى اليوم. هذه المصيدة الهائلة تعمل حسب القوانين الكلاسيكية لعمل مصائد الفئران المعروفة: الخطوة الاولى، تجذب الفئران وخصوصا الطليعية منها بواسطة قطعة دسمة من الجبنة الفاخرة التي تحتوي على راتب عالي وتمويل سخي ومنصة للخطابات والصراخ والشتائم ضد صيادي الفئران. اما الخطوة الثانية فهي إغلاق جميع المنافذ على أكبر عدد ممكن من الفئران بعد أن يفقدوا هويتهم وحريتهم وإنتمائهم.
بالطبع الامور ليست سهلة الى هذا الحد. فكم سمعنا من أحد الفلاحين أن أحد الفئران الذكية قد غلبه بعد أن سحب الطعم وهرب أو انه فلت من الوقوع بالفخ في اللحظة الاخيرة. ولكن الفلاح العنيد يستطيع في نهاية المطاف الايقاع بأكثر الفئران ذكاء ما دام هذا الفار يرقص أمام المصيدة. وهذا بالضبط ما فعلته الدولة بالكنيست حتى أصبحت مصيدة للفئران الذكية. فقد منحت هذه الفئران حصانة برلمانية وتمويلا سخيا وقالت لهم: تعالوا وطالبوا بحقوق باقي الفئران. إجذبوا أكبر عدد ممكن منها الى داخل المصيدة حتى ترتاح ولا تحمل أي هم.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يستطيع الفأر مهما بلغ من ذكاء ومن حماس أن يدافع عن باقي الفئران من داخل مصيدة؟
ما زالت الاحزاب العربية تحتفل بإنتصاراتها الوهمية في الانتخابات الاخيرة.تحتفل بحصولها على قطعة كبيرة من الجبنة الشهية. ولكنها لا تدري انها في حقيقة الامر تحتفل بوقوعها بالفخ. وهي ستبقى سعيدة وفرحة ما دامت لا تدرك انها تعيش في مصيدة كبيرة للفئران.
صائد الفئران الاسرائيلي ذكي جدا ويعرف بالضبط ماذا يعمل. فهو في قطاع غزة ليس بحاجة الى مصيدة. حيث يستعمل الاسلحة الفتاكة، الشرعية منها والمحرمة دوليا للقتل ويستعمل أسلحة أخرى للدمار. وفي الضفة الغربية يستعمل الاستيطان والجدران الفاصلة ويعتمد على المتعاونين المحليين. وهنا في الداخل يستعمل "مصيدة الفئران".
تعددت الاساليب والهدف واحد. وهدف المؤسسة الصهيونية أن تسوقنا جميع الى "مصيدة الفئران".