الحصار الاخير المفروض على غزة ليس الحصار الاول، في الحقيقة الحصار على غزة بدأ منذ اليوم الاول للاحتلال الاسرائيلي عام 1967. وخلال هذه المدة رافق الحصار أعمال القتل والتنكيل والنهب، ولا ننسى المستوطنات الاسرائيلية التي لملمت ذيولها وخرجت مندحرة.
خلال هذه الفترة لم يترك الشعب الفلسطيني عنوانا الا وطرقه من أجل رفع هذا الحصار الجائر. غير أن جميع الجهات الدولية والعربية والمحلية قد خذلت الجماهير الفلسطينية المحاصرة. فالامم المتحدة ممثلة بمجلس الامن والجمعية العمومية لم تحرك ساكنا. وإذا صدف وكان في نيتها أن تتحرك قامت الولايات المتحدة بفرض الفيتو وإجهاض اي قرار يمكن أن يدين الحصار. الولايات المتحدة الامريكية ليس فقط انها لم تحتج يوما على فرض الحصار بل ايدته ودعمته مباشرة من خلال منع المساعدات الانسانية من الوصول للقطاع، وبطريقة غير مباشرة من خلال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري اللامحدود الذي منحته للحكومات الاسرائيلية المتعاقبة.
الاتحاد الاوروبي هو الآخر، مجتمعا وكل دولة على انفراد، ساهم في هذا الحصار بحجة محاربة الارهاب بينما كان هدفه الحقيقي قمع المقاومة الفلسطينية وارغامها على قبول الحل الاسرائيلي – الامريكي والنتيجة كانت دعم لا محدود للإرهاب الاسرائيلي.
الدول العربية، الرجعية منها "والتقدمية" الجمهورية والملكية، الاستبدادية والديموقراطية، كلها ساهمت بهذا الشكل او بذاك، بهذه الدرجة او بتلك في فرض الحصار تمشيا مع السياسة الاسرائيلية الامريكية.
السلطة اللاوطنية الفلسطينية هي الاخرى شاركت، ومؤخرا بشكل فعال في فرض الحصار كعقاب للجماهير الفلسطينية التي تجرأت وسحبت بساط الحكم المهترئ من تحت أقدامها في الانتخابات الاخيرة وهرولت وراء اوهام الحلول الاسرائيلية – الامريكية.
إذن، لقد كان الحصار شاملا وطويلا لم يشهد التاريخ الحديث شبيها له. هذا الحصار جعل من قطاع غزة أكبر سجن عرفه التاريخ يقطنه مليون ونصف مليون اسير. ولكن هذا السجن لم يكن كباقي السجون. فالاسرى في السجون العادية يتمتعون بحقوق ضمنتها القوانين والاعراف الدولية مثل ضمان الطعام والخدمات الصحية والحفاظ على الحياة. أما سجن قطاع غزة فهوعلى العكس من ذلك، حيث تعرض بشكل مستمر الى الاعتداءات العسكرية المتكررة من هدم البيوت على رؤوس سكانها واغتيال العديد من أبنائها ومنع الادوية عن الجرحى والمرضى هذا بالاضافة الى منع المواد الغذائية والوقود والادوية.
حدث كل ذلك والعالم يتفرج وهو صامت. حتى الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة وفي باقي اماكن تواجدها كان ردها فاترا. كان يظن الجميع أن المجتمع الدولي والعربي لن يسكت طويلا على هذا الحصار، وراهن الاغلبية على قدرته في فك هذا الحصار. ولكن طال الانتظار حتى بلغ السيل الزبى. ولم يعد بالامكان السكوت أكثر، فالموت أصبح أهون من الوضع القائم. هنا تحركت نساء غزة في مظاهرة عارمة وأقتحمت معبر رفح مطالبة على الاقل بنقل المرضى والجرحى الذين يموتون موتا بطيئا في مستشفيات عزة التي تفتقد للدواء وللأجهزة الطبية وللكهرباء لتلقي العلاج في مصر. وقد حاولت قوى الامن المصرية قمع هذه المظاهرة الشعبية العفوية بشتى الوسائل ولكنها لم تستطع. وفي اليوم التالي تم تفجير الجدار وتدفق مئات الآلاف من الاسرى في أكبر عملية تمرد عرفة التاريخ.
ما حدث في معبر رفح يجب أن يحدث في معبر أيريز وباقي المعابر. يجب أن يحدث على كافة الحواجز التي تقطع أوصال الضفة الغربية، يجب أن يحدث لجدار الفصل العنصري.
المظاهرات السقيمة والعقيمة التي تنظمها الاحزاب والحركات السياسية على المفارق كإسقاط واجب لا تسمن ولا تغني من جوع. الشرطة الاسرائيلية وقوى الامن الاخرى سوف تكون عاجزة عن قمع مظاهرة جماهيرية جبارة مكونة من عشرات الآلاف من المتظاهرين العزل والمسالمين. مصيبة جماهيرنا تكمن في قيادتها الجبانة ذات المصالح الضيقة والافق السياسي المشوه. على الجماهير أن تتحرر من مثل هذه القيادة.
هل من الممكن أن يتكرر ما حدث في معبر رفح يوم السبت القادم في معبر أيريز؟ الجواب، نظريا: نعم يمكن أن يتكرر ويحقق النجاح نفسه. في هذا اليوم سوف تنطلق المظاهرات الشعبية المنددة بالحصار في جميع ارجاء العالم، عيون العالم سوف تتجه الى قطاع غزة. وسوف تعجز قوات الامن الاسرائيلية من حماية بوابة من الحديد البارد. هل سيحدث هذا عمليا؟ أم أن موقف القيادة سيحسم الامور لصالح سياسة أولمرت – براك الاجرامية؟