اربعون عاما مضت على مقتل القائد الفذ والثائر العالمي تشي جيفارا في أدغال بوليفيا على أيدي جيش النظام البوليفي العميل مدعوما برجال المخابرات الامريكية ال سي آي ايه. نعم، لقد مات تشي جيفارا ولم تنتصر الثورة في بوليفيا، إلا أن فكر تشي جيفرا الثوري المقاوم للإمبريالية في كل زمان ومكان ونصير شعوب العالم المضطهدة ما زال حيا ينمو ويترعرع في كل مكان فيه ظلم وإضطهاد.
يحاول أعداء تشي جيفارا ومنهم من يغطي وجهه بقناع صديق أن يجعل من تشي جيفارا وفكره ونضاله الثوري اسطورة، اسطورة خيالية قد ولى زمنها لا تمت للواقع بصلة مثل اسطورة روبين هود، فنرى العديد من الشباب والصبايا يلبسون بلوزات عليها صورته او يعلقون في أعناقهم قلائد تحمل صورته او يزينون جدران غرفهم ببوسترات كبيرة. قسم كبير من هؤلاء الشباب والصبايا لا يعرفون سوى النزر القليل عن حياة هذا الثائر العالمي وقسم منهم ينتمي الى أحزاب انتهازية كانت تتهم تشي جيفارا بالتهور واللاواقعية.
تشي جيفارا ليس أسطورة بهذا المعنى بأي حال من الاحوال، بل هو ثائر من لحم ودم حمل السلاح دفاعا عن المظلومين في كل مكان. قال: " اني أحس على وجهي بالم كل صفعة توجه الى مظلوم في هذه الدنيا فاينما وجد الظلم فذاك وطني". حارب تشي جيفارا الارجنتيني المولد في كوبا ضد النظام الفاسد العميل وفي أفريقيا وفي بوليفيا ودعم بدون تحفظ نضالات الشعوب التي كانت تناضل من أجل حريتها وإستقلالها خصوصا في فيتنام والجزائر الملتهبتين في تلك الايام.
لقد شن تشي جيفارا حربه الثورية على 3 جبهات:
أولا: ضد الامبريالية العالمية التي تزعمتها بعد الحرب العالمية الثانية الولايات المتحدة الامريكية.
ثانيا، ضد الانظمة الفاسدة والعميلة التي تقمع وتستغل جماهير الشعب وتخدم مصالح الامبريالية.
ثالثا ضد القوى الانتهازية التي تتكلم بإسم العمال والكادحين والمسحوقين ولكنها في نهاية المطاف تخدم الامبريالية العالمية وتلحق الضرر الفادح بنضالات الشعوب التحررية.
بعد افول نجم الاستعمار القديم متمثلا الاساس ببريطانيا وفرنسا من حيث الاساس، وصعود نجم الامبريالية الامريكية أدرك تشي جيفارا بانه لا بد من توحيد جميع القوى الثورية لمواجهة هذا العدو الغاشم. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت الولايات المتحدة الامريكية تشن حروبها القذرة في كل أرجاء العالم، في كوريا وفيتنام ولاوس وكمبوديا والعديد من الدول الافريقية ودول امريكا اللاتينية. إزاء هذا الوضع توصل تشي جيفارا الى عقيدة راسخة ما زالت سارية المفعول حتى يومنا هذا، بل هي اليوم أكثر واقعية من ذلك الوقت. خلاصتها: أن إنتصار الثورة هو الضمان الوحيد للقضاء على الحروب الامبريالية." لا حياة خارج الثورة، ولتوجد فيتنام ثانية وثالثة وأكثر".
هل تغير شيء على طبيعة الامبريالية الامريكية منذ ذلك الحين وحتى الآن؟ هل يوجد طريق آخر للقضاء على الحروب الامبريالية العالمية؟ وعلى غرار ما قاله تشي جيفارا اقول: لا حياة خارج الثورة وليوجد عراق وافغانستان ولبنان وفلسطين وفنزويلا ثانية وثالثة وأكثر.
المفاوضات والمؤتمرات والاستجداءات لن تردع الامبريالية الامريكية وحلفائها من شن الحروب بل على العكس من ذلك فإن هذه الاساليب تزيدها سعورا وعدوانية، الثورة فقط هي الكفيلة بذلك.
يمثل تشي جيفارا النقاء الثوري، ليس من خلال التقوقع في الابراج العاجية ولا من وراء الكتب والمكاتب بل من خلال الممارسة العملية والاخلاص منقطع النظير للمبادىء الثورية والتفاني والتضحية الى ابعد الحدود.
لقد سار تشي جيفارا على طريق الثوار العظام الذين سبقوه مثل ماركس ولينين وماو تسي تونغ وهوشي منه. كان يؤمن أن تعلم الثورة يأتي من خلال صنع الثورة: " أن من يعتقد أن نجم الثورة قد أفل فإما أن يكون خائنا أو متساقطا أو جبانا، فالثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن".
ما أحوجنا نحن هنا في فلسطين وفي العالم العربي أن ننحت هذه الكلمات في عقولنا وفي ذاكرتنا حيث كثر الخائنون والمتساقطون والجبناء الذين حبهم للوطن لا يساوي أكثر من حفنة من الدولارات الملطخة بدماء الشهداء. هذه الكلمات الملتهبة ما زالت تحرق وجوه الملوك والرؤساء العرب، الحقيقيين منهم والمزيفين الذين يعتقدون أن 90% من أوراق الحل بيد الامبرياليين الامريكيين وحلفائهم ويتعاموا عن رؤية الحقيقة التي تقول أن هؤلاء مسؤولون عن أكثر من 90% من المشكلة. الثورة في طريقها نحو الانتصار على الامبريالية سوف تكنس مثل هذه الزعامات الى مزبلة التاريخ.
ما كانت هيمنة الامبريالية تدوم هذه الفترة الطويلة لولا نشوء وتطور القوى الانتهازية داخل الحركات الثورية وفي صفوف الشعوب المسحوقة. وقد انتبه تشي جيفارا الى هذا العدو الداخلي الكامن والمقنع بثياب صديق. وحاول بكل ما يملكه من قوة مقاومته وفضحه وإجهاض نتائجه الوخيمة. وقف في وجه التحريفيين السوفييت، الذين قضوا لاحقا على الاتحاد السوفياتي نفسه، الذين نادوا بسياسة التعاون السلمي مع المعسكر الامبريالي. ووقف في وجه الاحزاب الانتهازية التي تسمي نفسها بالاحزاب الشيوعية، والتي نادت هي الاخرى بنبذ الطريق الثوري وسلوك النضال السلمي البرلماني مما جعل الامبريالية تزيد من شراستها.
النضال على الجبهة الداخلية لم يتوقف ابدا، وهو لا يقل من حيث الاهمية عن النضال ضد الامبريالية والرجعية. وقد قال لينين من قبل: "أن الحزب البلشفي قد نما وترعرع واصلب عوده من خلال النضال ضد الانتهازية داخل الجركة العمالية". وقد قدم تشي جيفارا في هذا المجال نموذجا فريدا من نوعة ما أحرى المقاومين في فلسطين ولبنان وفي كل مكان آخر في العالم أن يتوقفوا عنده ويستوعبوه ويتعضوا به. فبعد إنتصار الثورة في كوبا تقلد تشي جيفارا مناصب رسمية قيادية وتم تعينه وزيرا للإقتصاد وثم رئيسا للبنك المركزي ومسؤول العلاقات الخارجية للثورة المنتصرة، وعمليا كان المسؤول عن بناء الدولة الاشتراكية الفتية. إلا انه قدم استقالته للرئيس فيدل كاسترو بعد أن أخبره أن مهمته في كوبا قد انتهت، والآن يجب على الثورة أن تنتصر في أماكن اخرى.
لنقارن هذا الموقف المثالي بموقف القياديين في حركة حماس الذين يخوضون صراعا داميا للإنفراد بسلطة وهمية في ظل الاحتلال ويبدون استعدادهم للمساومة من أجل أن يكونوا وزراء. لقد أثبت الواقع أن السلطة المنبثقة عن اتفاقيات تصفوية تتناقض مع نهج المقاومة ولا يمكن الجمع بينهما. على قادة حماس أن يختاروا المقاومة او السلطة.
لم يناد تشي جيفارا كما يقول البعض بتصدير الثورة الى بلدان أخرى وهو القائل: " انا لست محررا، المحررين لا وجود لهم، فالشعوب وحدها هي من يحرر نفسها". إذن لماذا ترك كوبا والتحق بالنضال الثوري في الكونغو وفي بوليفيا ونادى بفتح جبهات جديدة في وجه الامبريالية؟ لأنه كان يؤمن أن الامبريالية التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية ذات طابع عالمي ولايمكن مواجهتها إلا بثورة ذات طابع عالمي لا تتوقف عند أية حدود جغرافية. وقال: " لا يهمني متى وأين سأموت، لكن يهمني أن يبقى الثوار منتصبين، يملأون الارض ضجيجا، كي لا ينام العالم بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين"
نعم أيها القائد الثائر، يموت الثوار ولكن لن يركعوا ابدا