السجن العربي الكبير
طالما استنكرنا وأدّنا مؤسسات المجتمع الدولي التي تهتم بحقوق الانسان بشكل عام وحقوق الاسرى بشكل خاص، من بينها منظمة العفو الدولية أمنستي، هيومان رايتس ووتش، الصليب الاحمر وما شابهها من منظمات ولجان. وذلك بسبب النفاق والكيل بمعيارين فيما يتعلق بحقوق الانسان الفلسطيني بالاسرى في السجون الاسرائيلية. ولأنها غالبا ما تتعامل مع المحتل الصهيوني بقفازات حريرية تصل إلى درجة التواطؤ والمحاباة. المصيبة أن مؤسساتنا المدنية التي تدعي الدفاع عن حقوق الانسان ورعاية حقوق الاسرى الفلسطينيين تتبنى في تعاملها نفس المنطق ونفس الأسلوب الذي تستنكره وتدينه عند مؤسسات المجتمع الدولي.
بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني، قامت المؤسسات الفلسطينية الناشطة في مجال حقوق الإنسان، واذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: هيئة شؤون الاسرى والمحررين، نادي الاسير، مؤسسة الضمير، مركز الدفاع عن الحريات وغيرها، بنشر بيانات تدين الجرائم التي تقترفها السلطات الاسرائيلية بحق الاسرى الفلسطينيين من تعذيب يصل أحيانا الى حد الموت، واهمال صحي خصوصا في ظروف انتشار فيروس الكورونا، بالاضافة إلى مصادرة العديد من حقوقهم الطبيعية. ولكنها في الوقت نفسه تصمت صمت أهل القبور على ما يجري في سجون العالم العربي من المحيط إلى الخليج الذي أصبح عبارة عن سجن واحد كبير.
الحرية لا تتجزأ وهي واحدة لكل من يطالب بها، وهي حق لكل أسير رأي وضمير في أي سجن كان. ليس من الاخلاقي بشيء أن تطالب الآخرين بالتضامن مع أسراك وفي الوقت نفسه تدعم الأنظمة التي تزج بآلاف الاسرى في سجونها وتمارس في حقهم جرائم يندى لها الجبين. في هذا اليوم بالذات لا يمكن الكلام عما يجري في السجون الاسرائيلية وفي الوقت نفسه السكوت عما يجري في السجون السورية والمصرية (وباقي السجون بالطبع). تفيد بيانات المؤسسات المذكورة أن عدد الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية يبلغ حوالي 5000 أسير، هل تعرف هذه المؤسسات عدد الاسرى الفلسطينيين (ولا اقول السوريين) في السجون السورية؟ أما بالنسبة للأسرى السوريين فلا يعلم عددهم وظروفهم إلا الله وأجهزة المخابرات الاسدية. إذا كان جميع هؤلاء ارهابيين وعملاء ومندسين فهل تتجرأ هذه المؤسسات مطالبة النظام بتقصي الحقائق على الأقل؟ اليس من العار أن تصل المفارقة لأن يتمنى الاسير الفلسطيني ابن المخيم أن يكون أسيرا سجن اسرائيلي حتى يتخلص من أهوال السجون العربية؟
حسب الإحصائيات التي أوردها نادي الأسير: منذ احتلال الضفة الغربية وغزة (أي خلال أكثر من نصف قرن) تم استشهاد 222 أسير إما مباشرة تحت التعذيب وإما بسبب الاهمال الطبي أو أثناء الاعتقال. بينما استشهد في السجون السورية في أقل من عقد(الحالات الموثقة بالاسم والصورة فقط) 541 أسيرا هذا عدا المخطوفين والمفقودين. وحسب البيان ذاته، يوجد 41 أسيرة فلسطينية في السجون الاسرائيلية بينما بلغ عددهن في السجون السورية 613 اسيرة فلسطينية. ولم يذكر البيان استشهاد أي اسيرة فلسطينية بينما استشهدت 38 اسيرة فلسطينية في السجون السورية. الأوضاع في السجون المصرية لا تختلف عن باقي السجون العربية: اعتقالات تعسفية، تعذيب، قتل، تهم ملفقة، رمس ابسط الحقوق الانسانية.
إلا أن المأساة الكبرى لا تكمن في هذه المؤسسات التي تدعي الحرص على حقوق الانسان وحقوق الاسرى بل تكمن بالاسرى والمعتقلين والمحررين أنفسهم الذين يواجهون بصدورهم العارية شراسة السجان الاسرائيلي وفي الوقت نفسه يدعمون ويحتضنون السجان العربي الاشد شراسة الذي ينكل بإخوانهم. هذا في الحقيقة ما أعجز عن فهمه.
الحرية لاسرى الحرية، في كل مكان وكل زمان وفي كل سجن. لقد آن الأوان تحطيم هذا السجن العربي الكبير الجاثم على صدور شعوبنا.