فلسطين ليست للبيع
علي زبيدات - سخنين
لعل أكثر المصطلحات المتداولة على الساحة السياسية في هذه الأيام هو مصطلح: "صفقة القرن". هذا بالرغم من أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة اية معلومة أكيدة عن هذه الصفقة: من هو البائع ومن هو المشتري وماهي البضاعة المعروضة للبيع، ما هو السعر وماهي شروط الدفع وإلى ما هنالك من تساؤلات اساسية في كل صفقة يتم إبرامها. منهم من يقول أن تفاصيل هذه الصفقة ما زالت سرية وما يتم تداوله ليس سوى إشاعات وتسريبات، وقلة تنكر وجود مثل هذه الصفقة أصلا. ولكن كلا الطرفين يتكلم عنها وكأنه طرف مشارك بها أو كأن له اسهم بها ويستطيع أن يحسب بدقة مقدار ربحه أو خسارته في حال تحقيقها أو عدمه. في هذه السطور لن أخوض بتفاصيل هذه "الصفقة" لا من قريب أو بعيد من باب ما تقوله أمثالنا الشعبية: كالذي يبيع جلد الدب قبل صيده، أو كمن يشتري سمك في البحر. عندما نرى الصبي سوف نصلي على النبي.
أود هنا أن أتكلم عن ظاهرة مرضية مستشرية في مجتمعاتنا وهو انبهارنا الشديد بكل ما يقوله الغرب من تسميات ونبدأ بترويجه، عن حسن نية أو سوء نية، من حيث ندري أو لا ندري، وذلك بدون أن نفهمه بشكل عميق وبدون أن نسبر أغواره ونحلله بشكل موضوعي ومنطقي.
يبدو أن أمريكا (وإسرائيل أيضا) لديها طاقم من المختصين من علماء النفس والسياسة والإعلام، تابعين لوزارة الخارجية وجهاز المخابرات وربما بالتعاون مع اجهزة أخرى ومراكز ابحاث ودراسات مهمتهم ابتكار مثل هذه المصطلحات الجذابة وإطلاقها في الفضاء الرحب لكي تنتشر مثل النار بالهشيم.
لا بد انكم تذكرون مصطلح "خارطة الطريق" الذي رافق المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية منذ مؤتمر مدريد مرورا باتفاقيات أوسلو وحتى سنوات قليلة مضت. كل شيء جرى في منطقتنا في تلك الفترة كان يجري تحت رعاية هذا المصطلح. نذهب إلى واي ريفر وكامب ديفيد أو شرم الشيخ وطابا لمناقشة خارطة الطريق. وبالتالي ماذا تبين؟ تبين أنه لا يوجد هناك خارطة ولا يوجد طريق أصلا. وقد تم سحب هذا المصطلح من السوق بهدوء كما تم طرحه مسبقا بهدوء.
مثل آخر: مصطلح "الشرق الاوسط الجديد" الذي روجت له إحدى الادارات الامريكية بتوجيه من قبل رجل " السلام" الإسرائيلي شمعون بيرس بمشاركة أبواق إعلامية عربية وعالمية. وقد تبين في النهاية أنه لا يوجد هناك ثمة شرق أوسط جديد ولا يحزنون. وأن كل القصد تقسيم المقسم وتفكيك ما يمكن تفكيكه من الدول العربية بهدف إخضاع المنطقة بكاملها للهيمنة الاسرائيلية كواجهة ومن ورائها نظام العولمة الامبريالي. وذلك لضمان الحفاظ على أمن اسرائيل من جهة ونهب الثروات العربية من جهة أخرى. وبعدما استنفذ هذا المصطلح تم سحبه هو الآخر بهدوء.
الشيء نفسه ينطبق على ما يسمى "صفقة القرن". ما الجديد في كل التسريبات التي كتب عنها صفحات لا تعد ولا تحصى؟ بل العديد من الدراسات والأبحاث والكتب ايضا؟ لا شيء.
شطب حق العودة عن طريق التوطين، فكرة تراود الفكر الصهيوني والغربي منذ ايام النكبة الاولى وليست من اختراع هذه الصفقة. الوطن البديل إن كان في شرق الاردن او في قطاع غزة وجزء من سيناء كما هو مطروح اليوم هو أيضا مشروع قديم يظهر بقناع جديد من فترة لأخرى. إعادة تقسيم دول سايكس - بيكو بما يتلاءم مع التطورات على الساحة السياسية لم يفارق الساحة منذ قرن كامل. تهويد القدس يجري على قدم وساق منذ اليوم الأول لاحتلالها، تجنيد أكبر عدد ممكن من الانظمة العربية إما عن طريق عرض الحماية عليها لتحافظ على عروشها وإما عن طريق بعض المساعدات المادية هي أيضا سياسة قديمة، تحقق نجاحات هنا وهناك وتخفق في بعض الأماكن. إذن لو سلمنا جدلا بوجود " صفقة القرن" فما الجديد الذي تحمله ويستحق كل هذا الانبهار والترويج؟
كل ما اريد قوله هنا وباختصار: متى سنتحرر من هذه الكليشيهات المبتذلة التي لم تعد تنطلي على أحد سوانا؟ هل لغتنا عاجزة الى هذا الحد لابداع مصطلح يعبر عن أمانينا؟ وهل تفكيرنا بهذه الضحالة إلى درجة الانجرار الاعمى وراء كل كلمة آتية من خلف البحار؟
إن حرية الفكر هي الخطوة الاولى في مسيرة التحرر والاستقلال.