عندما يصبح مثيرو الحروب رجال سلام
علي زبيدات - سخنين
لماذا تتدخل الدول الكبيرة في الشؤون الداخلية لدول تبعد عنها عشرات آلاف الكيلومترات؟ لماذا تشن دول قوية وغنية الحروب على دول فقيرة لا تهدد أمنها ومصالحها؟ وبشكل عام لماذا كل هذا الاقتتال وكل هذه الصراعات والنزاعات المتفشية على طول هذا العالم وعرضه بين الدول والشعوب والجماعات والأفراد؟ قد تستغربون من الجواب على هذه التساؤلات وأغلب الظن أنكم لن تصدقوه بالرغم من أننا نسمعه ونقرأه بشكل يومي. فالجواب هو: أولا، من أجل الحفاظ على السلم (العالمي، الإقليمي، المحلي). ثانيا، من أجل محاربة الارهاب بكل اشكاله وفي كل مكان. ثالثا، من أجل الدفاع عن الشرعية أو إعادتها إلى نصابها. رابعا، من أجل الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين. خامسا، من أجل حماية حقوق الإنسان وحريته وكرامته. والقائمة تطول. أليست جميعها غايات سامية؟
فها هي أمريكا، الدولة العظمى، التي تعتبر نفسها شرطي العالم، وعلى لسان رئيسها ووزير حربيتها، تهدد بشن حرب نووية ضد كوريا الشمالية وإبادة شعب بكامله، وذلك من أجل الحفاظ على السلم العالمي. فترد كوريا الشمالية بتهديد مماثل يقضي على كوريا الجنوبية واليابان وحتى أمريكا نفسها. ولا ننسى الحروب الأمريكية في أفغانستان، الصومال، السودان، العراق وسوريا وذلك ضد الإرهاب الدولي. وتدخلاتها في باقي الدول كبيرة كانت أم صغيرة، قريبة أم بعيدة. وها هي دولة إسرائيل تشن كل بضعة أعوام حربا تدميرية على غزة بحجة محاربة الإرهاب وتبني الجدران العازلة وتقيم الحواجز وتقتل بدم بارد في الضفة الغربية وذلك حفاظا على سلامة المواطنين (أي مواطنين؟!) وها هو النظام السوري وحلفاؤه يحاربون الإرهاب في كل قرية ومدينة سورية حتى ولو كلف ذلك قتل مئات آلاف المدنيين وتهجير نصف الشعب. أما النظام السعودي فهو يقصف المدنيين في اليمن ويهدم البيوت على رؤوس أصحابها كل ذلك دفاعا عن "الشرعية" والعمل من أجل إعادتها إلى سدة الحكم لكي تسهر على أمن وسلامة المواطنين وترسخ أسس العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان. لا يوجد أحد أحسن من أحد، فها هو الطيران الروسي المدجج بالصواريخ يقصف كل من تسول له نفسه التمرد على "شرعية" نظام الأسد. وها هي دول الخليج المنقسمة على نفسها تتنافس على محاربة الإرهاب والحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته ومن أجل ذلك فليتنافس المتنافسون. مثل هذه النماذج التي لا تعد ولا تحصى تشمل العالم من اقصاه الى اقصاه.
السؤال الذي يجب أن يسأل هنا: إذا كان الجميع موحدا خلف شعار الحفاظ على السلم العالمي فلماذا لا يحظى هذا العالم ولو بلحظة سلام واحدة؟ وإذا كان جميعهم موحدين في محاربة الإرهاب فلماذا يزداد الإرهاب انتشارا وشراسة؟ وإذا كان الجميع حريصين إلى هذا الحد على حقوق الانسان فكيف فقد الإنسان إنسانيته؟ وإذا كان الهدف هو الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين العزل فكيف أصبحت حياة الإنسان لا تساوي أكثر من رصاصة؟
الجواب بسيط وواضح: لأنهم يكذبون. لأنهم يفعلون عكس ما يقولون. فحروبهم ليست من أجل حفظ السلام بل من أجل الأرباح وتحقيق مصالحهم الخاصة ومن أجل الهيمنة والاستغلال. ولا يحاربون الارهاب لانهم هم الارهاب بعينه. ويفرضون بإمكانياتهم بأسلحة الدمار الشامل التي يملكونها جوا من الرعب والإرهاب على كل شعوب العالم. وكيف يتوقعون أن نصدق شعاراتهم حول حرصهم على حقوق الإنسان وهم يقترفون الجرائم ضد الإنسانية صباح مساء.
الكذبة كبيرة، وبسبب كبرها ما زال الكثيرون للأسف يصدقها. وذلك بسبب أبواق الدعاية من فضائيات وإذاعات وصحف ومواقع إخبارية التي تروجها وتنشرها. هذه الأبواق هي التي تصور الحرب العدوانية على انها سلم وتصور الارهاب الحقيقي وكأنه حرب على الإرهاب وتصور القمع والعنصرية والاستغلال والجرائم ضد المدنيين وكأنها حفاظا على أمنهم وسلامتهم، وتصور انتهاك حقوق الإنسان وكأنها دفاع عن حقوق الإنسان وتقدمه لنا في نشرات الاخبار الصباحية والمسائية.
فضح هذه الكذبة وإسقاط كافة الأقنعة عن وجوه صانعيها ومروجيها هي مهمة كل فرد حريص فعلا على السلم العالمي، حريص فعلا على حقوق الإنسان. هي مهمة كل إنسان متشبث بإنسانيته في وجهة الهمجية الحديثة. وهي المقدمة الأولى لإعادة بناء وترميم التضامن العالمي والأخوة بين الشعوب للنضال من أجل مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.