زمن
النعاج العربي
علي
زبيدات – سخنين
المكان
الطبيعي للنعاج، كما هو معروف، هو إما أن
تكون في الحظائر تأوي اليها تتقي الحر
والبرد وتنتظر مصيرها حتى ترسل الى
المسالخ، وإما أن تكون في المراعي تأكل
وتسرح وتمرح حتى يعيدها الراعي مستعملا
عصاه الى حظائرها. إلا
في العالم العربي، وخصوصا تلك النعاج
التي تشرب ولا ترتوي من آبار النفط.
فهي نعاج فريدة من
نوعها: فهي
أولا، يكون الراعي منها وفيها، أي أن
الراعي هو أيضا نعجة. وهي
عادة نعاج سمينة تكاد كروشها تندلق أمامها
وعلى جانبيها ويكاد شحمها يتفتق عن جسدها
وينسكب تحت أقدامها. وفي
الوقت نفسه هي نعاج تجتمع، تعقد المؤتمرات،
تتخذ القرارات وتتوسط لحل النزاعات.
وفي بعض الحالات
تلبس أقنعة الليوث، تقود الثورات، تنظم
المليشيات، تهرب الاسلحة وتملأ العالم
ثغاء من خلال وسائل اعلامها المتطورة.
ولكنها في نهاية
المطاف تعود الى طبيعتها "النعاجية"
الخاضعة والمستكينة
خصوصا كلما اقتربت من أمريكا واسرائيل.
وزراء
الخارجية العرب الذين اجتمعوا في القاهرة
مؤخرا لوقف العدوان الاسرائيلي على غزة
ولنصرة أهل غزة وباعتراف كبيرهم هم ممثلون
لهذه النعاج العربية الاصيلة.
ومنذ الاجتماع
الاول تبين أن دورهم الحقيقي هو ترجمة
العدوان الاسرائيلي العسكري الى مكتسبات
سياسية لصالح هذا العدوان.
وذلك من خلال
التوصل الى تهدئة أو هدنة لفترة طويلة
جدا حسب الإملاءات والشروط الاسرائيلية.
بينما لمساعدة غزة
فقد اكتفوا بفيض من الادانات شديدة اللهجة
والوعود العرقوبية باعادة اعمارها بعد
تدميرها. وقد
نسوا اننا قد حضرنا هذا الفلم السخيف قبل
أربع سنوات.
يبدو
أن الربيع العربي قد جلب فيما جلبه المزيد
من العشب الاخضر لهذه النعاج لكي تسرح
وتمرح وتزداد سمنة وتزداد عددا.
إلى نعاج الخليج
انضمت نعاج من مصر وتونس توهم بعضنا انها
سوف تكون "نعاجا
ثورية" تقوم
بطرد ومطاردة الذئاب التي تنهش في جسد
العالم العربي. ولكن
هل تستطيع النعجة أن تخرج من نفسها وتغير
طبيعتها؟ بالطبع لا. لم
تكن ثورية هذه النعاج الا قناعا سرعان ما
سقط عند أول اختبار. ذكرتني
بقصة ذلك الحمار الذي زهق من معاملة باقي
الحيوانات له باحتقار.
فوجد أسدا ميتا
فنزع عنه جلده ولبسه ومشى في الغابة
متبخترا يخيف باقي الحيوانات.
ومر في طريقه على
الثعلب الذي كان من اشد الحيوانات احتقارا
له فأراد أن يرعبه في أن يزأر في ووجهه،
فخرج من بين فكي هذا التعيس نهيق قبيح،
فقال له الثعلب: لقد
فضحت نفسك. كنا
نتوقع من هذه النعاج "الثورية"
أن تقطع علاقتها
بالكامل بدولة إسرائيل وتفتح معبر رفح
على مصراعيه، أولا وقبل كل شيء كتعبير عن
سيادتها المطلقة عليه وتدع الجماهير
المصرية والعربية تتدفق للدفاع عن غزة.
ولكن كيف تعمل ذلك
بينما كلأها وعلفها مرهون بأمريكا
وإسرائيل؟ وهكذا سرعان ما تحولت شعاراتها
الثورية الى ثغاء استجداء.
لقد
برهنت جامعة الدول العربية للمرة الألف،
منذ ولادتها على يد القابلة الانجليزية
وحتى يومنا هذا، بأنها أفضل حظيرة للنعاج
العربية. حتى
انها في اجتماع وزراء خارجيتها الاخير
تفوقت على نفسها عندما تجرأت ووجهت النقد
الذاتي لنفسها بإعادة النظر بمبادرة
السلام التي قدمتها لاسرائيل منذ اكثر
من عشر سنوات وألقت بها هذه في سلة المهملات.
ولكي
أكون منصفا أقول أن "زمن
النعاج" لا
يقتصر على عالمنا العربي بل يمتد الى كافة
اطراف العالم. فماذا
نقول عن أوباما الذي توقف خلال زيارته
لبعض الدول الاسيوية لكي يصرح:
"من حق اسرائيل
الدفاع عن نفسها" ووزيرة
خارجيته التي طارت على جناح السرعة لكي
تعبر عن تضامنها مع العدوان وتساهم مع
النعاج العرب لترجمة هذا العدوان الى
مكاسب سياسية. هذا
ناهيك عن باقي الوزراء والدبلوماسيين
الاوروبيين من انجلترا وفرنسا والمانيا
الذين هرولوا ليقدموا مساعدتهم لدولة
اسرائيل المسالمة التي تدافع عن نفسها.
وإن
أنسى فلا أنسى في هذه المناسبة نعاجنا
المحلية التي تحترف الثغاء السياسي،
الثوري والوطني والتقدمي والتي صرح بعضها
بأنه سوف يقيم الدنيا ولا يقعدها في حالة
استمرار العدوان الاسرائيلي.
وكل ما تصبو اليه
هو الحصول على حفنة اضافية من االاصوات
في انتخابات الكنيست الصهيونية القادمة.
هذه النعاج التي
شرذمت العمل الوطني وفشلت في تنظيم حتى
مظاهرة قطرية واحدة.
زمن
النعاج العربي سوف يزول عاجلا أم آجلا.
وسوف تبقى غزة
صامدة، والقضية الفلسطينية سوف تبقى حية
حتى يهل ويسود زمن الأسود العربية التي
سوف تصنع العودة والتحرير.